الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن هِيَ أَنْوَاعٌ: الْأَوَّلُ يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي الْقِبْلَةِ فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ وَيُصَلِّي بِهِمْ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ سَجْدَتَيْهِ وَحَرَسَ صَفٌّ فَإِذَا قَامُوا سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ، فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَتَشَهَّدَ بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَلَوْ حَرَسَ فِيهِمَا فِرْقَتَا صَفٍّ جَازَ، وَكَذَا فِرْقَةٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ) أَيْ كَيْفِيَّتِهَا، وَالْخَوْفُ ضِدُّ الْأَمْنِ، وَحُكْمُ صَلَاتِهِ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ بِتَرْجَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ فِي الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِيهَا عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ} [النِّسَاءَ] الْآيَةَ، وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ مَعَ خَبَرِ (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) وَاسْتَمَرَّتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى فِعْلِهَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا دَعْوَى الْمُزَنِيِّ نَسَخَهَا لِتَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَأَجَابُوا عَنْهَا بِتَأَخُّرِ نُزُولِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ، وَالْخَنْدَقُ كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ، وَتَجُوزُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (هِيَ أَنْوَاعٌ) جَاءَتْ فِي الْأَخْبَارِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْضُهَا، وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَفِي ابْنِ حِبَّانَ مِنْهَا تِسْعَةٌ، فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ، وَاخْتَارَ مِنْهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ مَعَهَا الرَّابِعَ الْآتِيَ وَجَاءَ بِهِ وَبِالثَّالِثِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ. النَّوْعُ (الْأَوَّلُ) مِنْهَا الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي) جِهَةِ (الْقِبْلَةِ) وَلَا سَاتِرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَفِينَا كَثْرَةٌ بِحَيْثُ تُقَاوِمُ كُلُّ فِرْقَةٍ الْعَدُوَّ (فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ) فَأَكْثَرَ (وَيُصَلِّي بِهِمْ) جَمِيعًا إلَى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ الْحِرَاسَةَ الْآتِيَةَ مَحَلُّهَا الِاعْتِدَالُ لَا الرُّكُوعُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (فَإِذَا سَجَدَ) الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ سَجْدَتَيْهِ وَحَرَسَ) حِينَئِذٍ (صَفٌّ) آخَرُ فِي الِاعْتِدَالِ الْمَذْكُورِ (فَإِذَا قَامُوا) أَيْ الْإِمَامُ وَالسَّاجِدُونَ مَعَهُ (سَجَدَ مَنْ حَرَسَ) فِيهَا (وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ) أَيْ الْفِرْقَةُ السَّاجِدَةُ مَعَ الْإِمَامِ (فَإِذَا جَلَسَ) الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ (سَجَدَ مَنْ حَرَسَ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (وَتَشَهَّدَ) الْإِمَامُ (بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ) بِهِمْ (وَهَذِهِ) الْكَيْفِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ (صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ (بِعُسْفَانَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، قَرْيَةٌ بِقُرْبِ خَلِيصَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ بُرُدٌ، سُمِّيَتْ بِهِ لِعَسْفِ السُّيُولِ فِيهَا، وَعِبَارَتُهُ كَغَيْرِهِ فِي هَذَا صَادِقَةٌ بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهَا بِمَكَانِهِ أَوْ تَحَوَّلَ بِمَكَانِ الْآخَرِ وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فَهِيَ أَرْبَعُ كَيْفِيَّاتٍ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ إذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ فِي التَّحَوُّلِ، وَاَلَّذِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ سُجُودُ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ مَعَ التَّحَوُّلِ فِيهَا وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا كَمَا مَرَّ، ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ فَأَكْثَرُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْحِرَاسَةُ بِالسُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِعَ تُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ (وَ) لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرُسَ جَمِيعَ مَنْ فِي الصَّفِّ بَلْ (لَوْ حَرَسَ فِيهِمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ (فِرْقَتَا صَفٍّ) عَلَى الْمُنَاوَبَةِ وَدَاوَمَ غَيْرُهُمَا عَلَى. الْمُتَابَعَةِ (جَازَ) بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْحَارِسَةُ مُقَاوِمَةً لِلْعَدُوِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَارِسُ وَاحِدًا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى اثْنَيْنِ (وَكَذَا) يَجُوزُ لَوْ حَرَسَ فِيهِمَا (فِرْقَةٌ) وَاحِدَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلِّ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَ أَقَلُّ مِنْهَا، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ صَلَاةُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ لِزِيَادَةِ التَّخَلُّفِ فِيهَا عَلَى مَا فِي الْخَبَرِ، وَدَفَعَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِتَعَدُّدِ الرَّكْعَةِ لَا تَضُرُّ، لَكِنَّ الْمُنَاوَبَةَ أَفْضَلُ، لِأَنَّهَا الثَّابِتَةُ فِي الْخَبَرِ. .
المتن الثَّانِي يَكُونُ فِي غَيْرِهَا فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ.
الشرحُ النَّوْعُ (الثَّانِي) الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (يَكُونُ) الْعَدُوُّ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا، وَثَمَّ سَاتِرٌ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَخِيفَ هُجُومُهُ فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ (فَيُصَلِّي) بِهِمْ (مَرَّتَيْنِ كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ) جَمِيعَ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَمْ ثَلَاثَةً أَمْ أَرْبَعًا، وَتَكُونُ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى تُجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَحْرُسُ ثُمَّ تَذْهَبُ الْمُصَلِّيَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ. وَتَأْتِي الْفِرْقَةُ الْحَارِسَةُ فَيُصَلِّي بِهَا مَرَّةً أُخْرَى جَمِيعَ الصَّلَاةِ، وَتَكُونُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ نَفْلًا لِسُقُوطِ فَرْضِهِ بِالْأُولَى (وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ (بِبَطْنِ نَخْلٍ) مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ، رَوَاهَا الشَّيْخَانِ. وَهِيَ وَإِنْ جَازَتْ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِيهِ بِالشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمَتْنِ، فَقَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلْمُفْتَرِضِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِالْمُتَنَفِّلِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ مَحَلُّهُ فِي الْأَمْنِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ.
المتن أَوْ تَقِفُ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ وَيُصَلِّي بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً فَإِذَا قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ وَأَتَمَّتْ وَذَهَبَتْ إلَى وَجْهِهِ وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ فَاقْتَدَوْا بِهِ فَصَلَّى بِهِمْ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ فِي بَطْنِ نَخْلٍ، وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي انْتِظَارِهِ الثَّانِيَةَ وَيَتَشَهَّدُ، وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ
الشرحُ وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (أَوْ تَقِفُ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ) أَيْ الْعَدُوِّ تَحْرُسُ وَهُوَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا وَثَمَّ سَاتِرٌ (وَيُصَلِّي) الْإِمَامُ (بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً) مِنْ الثُّنَائِيَّةِ بَعْدَ أَنْ يَنْحَازَ بِهِمْ إلَى حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ (فَإِذَا قَامَ) الْإِمَامُ (لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ) بِالنِّيَّةِ بَعْدَ الِانْتِصَابِ نَدْبًا، وَقَبْلَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ جَوَازًا (وَأَتَمَّتْ) لِنَفْسِهَا (وَذَهَبَتْ) بَعْدَ سَلَامِهَا (إلَى وَجْهِهِ) أَيْ الْعَدُوِّ، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الْأُولَى لِاشْتِغَالِ قُلُوبِهِمْ بِمَا هَمَّ فِيهِ، وَلَهُمْ كُلُّهُمْ تَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا لِئَلَّا يَطُولَ الِانْتِظَارُ (وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ) لِلْحِرَاسَةِ بَعْدَ ذَهَابِ أُولَئِكَ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ وَيُطِيلُ الْقِيَامَ نَدْبًا إلَى لُحُوقِهِمْ (فَاقْتَدَوْا بِهِ فَصَلَّى بِهِمْ) الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ فَإِذَا جَلَسَ) الْإِمَامُ (لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ) وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لَهُمْ وَهُمْ غَيْرُ مُنْفَرِدِينَ عَنْهُ بَلْ مُقْتَدُونَ بِهِ حُكْمًا (وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ) لِيَحُوزُوا فَضِيلَةَ التَّحَلُّلِ مَعَهُ كَمَا حَازَتْ الْأُولَى فَضِيلَةَ التَّحَرُّمِ مَعَهُ (وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ (بِذَاتِ الرِّقَاعِ) مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ، رَوَاهَا الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَفُّوا بِأَرْجُلِهِمْ الْخِرَقَ لَمَّا تَقَرَّحَتْ. وَقِيلَ بِاسْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ، وَقِيلَ بِاسْمِ جَبَلٍ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ يُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ، وَقِيلَ لِتُرْفَعَ صَلَاتُهُمْ فِيهَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ) صَلَاةِ (بَطْنِ نَخْلٍ) لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَلِأَنَّهَا أَخَفُّ وَأَعْدَلُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ عُسْفَانَ أَيْضًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّتِهَا فِي الْجُمْلَةِ دُونَهُمَا، وَتُسَنُّ عِنْدَ كَثْرَتِنَا فَالْكَثْرَةُ شَرْطٌ لِسُنِّيَّتِهَا لَا لِصِحَّتِهَا خِلَافًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّ فِي تَحْرِيرِهِ، وَفَارَقَتْ صَلَاةُ عُسْفَانَ بِجَوَازِهَا فِي الْأَمْنِ لِغَيْرِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَهَا إنْ نَوَتْ الْمُفَارَقَةَ، بِخِلَافِ تِلْكَ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْأَوَّلِ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ قُبَيْلَ النَّوْعِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، وَثَمَّ فِي الِاسْتِحْبَابِ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، بَلْ ذَهَبُوا وَوَقَفُوا تُجَاهَ الْعَدُوِّ سُكُوتًا فِي الصَّلَاةِ، وَجَاءَتْ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَحِينَ سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ إلَى مَكَانِ صَلَاتِهِمْ وَأَتَمُّوهَا لِأَنْفُسِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ إلَى مَكَانِهِمْ وَأَتَمُّوهَا جَازَ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ رَوَاهَا ابْنُ عُمَرَ. وَجَازَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ؛ لِأَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَانَتْ فِي يَوْمٍ وَالْأُخْرَى فِي يَوْمٍ، وَدَعْوَى النَّسْخِ بَاطِلَةٌ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَكِنَّ الْكَيْفِيَّةَ الْأُولَى هِيَ الْمُخْتَارَةُ لِسَلَامَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ (وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ) بَعْدَ قِيَامِهِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً بَعْدَهَا (فِي) زَمَنِ (انْتِظَارِهِ) الْفِرْقَةَ (الثَّانِيَةَ) وَلُحُوقِهَا لَهُ فَإِذَا لَحِقَتْهُ قَرَأَ مِنْ السُّورَةِ قَدْرَ فَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَرَكَعَ (وَيَتَشَهَّدُ) فِي جُلُوسِهِ لِانْتِظَارِهَا، لِأَنَّ السُّكُوتَ مُخَالِفٌ لِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ الْقِيَامُ مَوْضِعُ ذِكْرٍ (وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ) قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ (لِتَلْحَقَهُ) فَتُدْرِكَهُمَا مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ مَعَ الْأُولَى فَيُؤَخِّرُهَا لِيَقْرَأَهَا مَعَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَى هَذَا يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَطَرِيقَةُ الْخِلَافِ فِي التَّشَهُّدِ ضَعِيفَةٌ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَرَ لَاخْتُصَّتْ بِهِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْكَيْفِيَّةَ الْمُخْتَارَةَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فِي الْأَمْنِ صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الِانْتِظَارَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَضُرُّ صَلَاةَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا تَضُرُّ لَا صَلَاةَ الثَّانِيَةَ إنْ لَمْ تُفَارِقْهُ حَالَ قِيَامِهِمْ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُخْرَى قَطْعًا وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ.
المتن فَإِنْ صَلَّى مَغْرِبًا فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ فِي الْأَظْهَرِ وَيَنْتَظِرُ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ رُبَاعِيَّةً فَبِكُلٍّ رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فِي الْأَظْهَرِ، وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ، وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى، وَسَهْوُهُ فِي الْأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلِينَ، وَيُسَنُّ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ.
الشرحُ
فَرْعٌ: تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْخَوْفِ حَيْثُ وَقَعَ بِبَلَدٍ كَصَلَاةِ عُسْفَانَ وَكَذَاتِ الرِّقَاعِ لَا كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، وَيُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ عَدَدٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ فِي السَّامِعِينَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا لِلْحَاجَةِ مَعَ سَبْقِ انْعِقَادِهَا وَتَجْهَرُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ، وَلَا تَجْهَرُ الثَّانِيَةُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ مُقْتَدُونَ بِهِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ (فَإِنْ صَلَّى) الْإِمَامُ (مَغْرِبًا) عَلَى كَيْفِيَّةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ (فَبِفِرْقَةٍ) مِنْ الْقَوْمِ يُصَلِّي بِهَا (رَكْعَتَيْنِ) ثُمَّ تُفَارِقُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ مَعَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِهِمْ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَبِالثَّانِيَةِ) مِنْهُ (رَكْعَةً وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ) الْجَائِزِ أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ التَّفْضِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَكَسَ لَزَادَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ تَشَهُّدًا غَيْرَ مَحْسُوبٍ لَهَا لِوُقُوعِهِ فِي رَكْعَتِهَا الْأُولَى وَاللَّائِقُ بِالْحَالِ هُوَ التَّخْفِيفُ دُونَ التَّطْوِيلِ، وَالثَّانِي عَكْسُهُ أَفْضَلُ لِتَنْجَبِرَ بِهِ الثَّانِيَةُ عَمَّا فَاتَهَا مِنْ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ (وَ) عَلَى الْأَظْهَرِ (يَنْتَظِرُ) الْإِمَامُ فَرَاغَ الْأُولَى وَمَجِيءَ الثَّانِيَةِ (فِي) جُلُوسِ (تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ) أَيْ انْتِظَارُهُ فِي الْقِيَامِ (أَفْضَلُ) مِنْ انْتِظَارِهِ فِي جُلُوسِ تَشَهُّدِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّ التَّطْوِيلِ بِخِلَافِ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي أَنَّ انْتِظَارَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْلَى لِيُدْرِكُوا مَعَهُ الرَّكْعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا، وَجُعِلَ الْخِلَافُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قَوْلَيْنِ، وَيَأْتِي فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي الِانْتِظَارِ فِي الْقِيَامِ أَوْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الِانْتِظَارِ فِي جُلُوسِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَلَوْ فَرَّقَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ فِرَقٍ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى النَّصِّ (أَوْ) صَلَّى (رُبَاعِيَّةً فَبِكُلٍّ) مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ يُصَلِّي (رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمَأْمُومِينَ وَهَلْ الْأَفْضَلُ الِانْتِظَارُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَلَوْ صَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَبِالْأُخْرَى ثَلَاثًا أَوْ عَكْسُهُ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ، وَالثَّانِيَةَ لِلسَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ (فَلَوْ) فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، وَ (صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً) وَفَارَقَتْهُ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَأَتَمَّتْ لِنَفْسِهَا وَهُوَ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْأُولَى فِي قِيَامِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَفَرَاغَ الثَّانِيَةِ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا مَرَّ، وَفَرَاغَ الثَّالِثَةِ فِي قِيَامِ الرَّابِعَةِ، وَفَرَاغَ الرَّابِعَةِ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ لِيُسَلِّمَ بِهَا (صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَاقْتِضَاءُ الرَّأْيِ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَفِعْلِهِ فِي حَالِ الْأَمْنِ وَأَقَرَّاهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الزَّوَائِدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي الدَّقَائِقِ، وَالثَّانِي: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الِانْتِظَارَيْنِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَمَا سَبَقَ وَصَلَاةِ الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إنْ عَلِمُوا بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَالثَّالِثُ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ لِمُفَارَقَتِهَا قَبْلَ انْتِصَافِ صَلَاتِهَا عَلَى خِلَافِ الْمُفَارَقَةِ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ الِانْتِصَافِ، وَالرَّابِعُ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ الْمَغْرِبُ إذَا صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً (وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ) فِيمَا لَوْ فَرَّقَهُمْ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِرْقَتَيْنِ (مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ) أَيْ رَكْعَتِهِمْ الْأُولَى لِاقْتِدَائِهِمْ فِيهَا (وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ) أَيْ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ لِلْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ سَهْوُهُمْ مَحْمُولٌ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ الْمَجْزُومِ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِاقْتِدَائِهِمْ بِالْإِمَامِ فِيهَا حُكْمًا، وَالثَّانِي لَا، لِانْفِرَادِهِمْ بِهَا حِسًّا (لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى) لِانْفِرَادِهِمْ حِسًّا وَحُكْمًا (وَسَهْوُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ) فَيَسْجُدُ الْمُفَارِقُونَ عِنْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ سَهْوُهُ قَبْلَ اقْتِدَاءِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ لِلنُّقْصَانِ الْحَاصِلِ فِي صَلَاتِهِ (وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلِينَ) لِمُفَارَقَتِهِمْ قَبْلَ السَّهْوِ، وَتَسْجُدُ الثَّانِيَةَ مَعَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَلَوْ سَهَا فِي حَالِ انْتِظَارِهِمْ لَحِقَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُقَاسُ بِذَلِكَ السَّهْوُ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ. (وَيُسَنُّ) لِلْمُصَلِّي صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ (حَمْلُ السِّلَاحِ) كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَنَشَّابٍ وَسِكِّينٍ (فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ) السَّابِقَةِ احْتِيَاطًا (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) الْحَمْلُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النِّسَاءَ]، وَحَمَلَ الْأَوَّلُ الْآيَةَ عَلَى النَّدْبِ، إذْ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ تَرْكُهُ مُفْسِدًا كَغَيْرِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَفْسُدُ بِهِ قَطْعًا، وَلَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ احْتِيَاطًا، وَيَحْرُمُ مُتَنَجِّسٌ وَبَيْضَةٌ أَوْ نَحْوُهَا تَمْنَعُ مُبَاشَرَةَ الْجَبْهَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إبْطَالِ الصَّلَاةِ، وَيُكْرَهُ رُمْحٌ أَوْ نَحْوُهُ يُؤْذِيهِمْ بِأَنْ يَكُونَ بِوَسَطِهِمْ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ خَفَّ بِهِ الْأَذَى، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ، وَلَوْ كَانَ فِي تَرْكِ الْحَمْلِ تَعَرُّضٌ لِلْهَلَاكِ ظَاهِرًا وَجَبَ حَمْلُهُ أَوْ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْهُلُ تَنَاوُلُهُ كَسُهُولَةِ تَنَاوُلٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ، بَلْ يَتَعَيَّنُ وَضْعُهُ إنْ مَنَعَ حَمْلُهُ الصِّحَّةَ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ حَمْلِهِ أَوْ وَضْعِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالدِّرْعُ أَوْ التُّرْسُ لَيْسَ بِسِلَاحٍ يُسَنُّ حَمْلُهُ بَلْ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ ثَقِيلًا يَشْغَلُ عَنْ الصَّلَاةِ كَالْجَعْبَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ إطْلَاقُ الْقَوْلِ. بِأَنَّهُمَا مِنْ السِّلَاحِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ سِلَاحٍ يُسَنُّ حَمْلُهُ فِي الصَّلَاةِ، إذْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَقْتُلُ، لَا مَا يُدْفَعُ بِهِ.
المتن الرَّابِعُ أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ أَوْ يَشْتَدَّ الْخَوْفُ فَيُصَلِّيَ كَيْفَ أَمْكَنَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْقِبْلَةِ، وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ لِحَاجَةٍ فِي الْأَصَحِّ، لَا صِيَاحٍ، وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دُمِيَ فَإِنْ عَجَزَ أَمْسَكَهُ، وَلَا قَضَاءَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ، وَلَهُ ذَا النَّوْعُ فِي كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ
الشرحُ (الرَّابِعُ) مِنْ الْأَنْوَاعِ الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَلِّ هَذَا النَّوْعِ، وَهُوَ (أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ) بَيْنَ الْقَوْمِ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اخْتِلَاطِهِمْ بِحَيْثُ يَلْتَصِقُ لَحْمُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ أَوْ يُقَارِبُ الْتِصَاقَهُ أَوْ عَنْ اخْتِلَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ كَاشْتِبَاكِ لُحْمَةِ الثَّوْبِ بِالسُّدَى (أَوْ يَشْتَدَّ الْخَوْفُ) وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ بِأَنْ لَمْ يَأْمَنُوا هُجُومَ الْعَدُوِّ لَوْ وَلَّوْا عَنْهُ وَانْقَسَمُوا (فَيُصَلِّيَ) كُلٌّ مِنْهُمْ (كَيْفَ أَمْكَنَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [الْبَقَرَةَ] وَلَيْسَ لَهُمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا (وَيُعْذَرُ) كُلٌّ مِنْهُمْ (فِي تَرْكِ) تَوَجُّهِ (الْقِبْلَةِ) عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا بِسَبَبِ الْعَدُوِّ لِلضَّرُورَةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَاهُ إلَّا مَرْفُوعًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَطَالَ الزَّمَانُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ أَوْ تَقَدَّمُوا عَلَى الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ كَمَا فِي الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ (وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ) كَالضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ يُعْذَرُ فِيهَا (لِحَاجَةٍ) إلَيْهَا (فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْمَشْيِ وَتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ، وَهَذَا مَا نَسَبَاهُ لِلْأَكْثَرِينَ. وَالثَّانِي لَا يُعْذَرُ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي هَذَيْنِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى الْأَصْلِ، وَالثَّالِثُ يُعْذَرُ فِيهَا لِدَفْعِ أَشْخَاصٍ دُونَ شَخْصٍ وَاحِدٍ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي دَفْعِهِ. أَمَّا الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ غَيْرُ الْمُتَوَالِي فَمُحْتَمَلٌ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَفِي الْخَوْفِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْكَثِيرُ الْمُتَوَالِي بِلَا حَاجَةٍ فَتَبْطُلُ بِهِ قَطْعًا (لَا صِيَاحٍ) فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ السَّاكِتَ أَهْيَبُ، وَكَذَا يُبْطِلُهَا النُّطْقُ بِلَا صِيَاحٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَيُلْقِي) وُجُوبًا (السِّلَاحَ إذَا دُمِيَ) دَمًا لَا يُعْفَى عَنْهُ حَذَرًا مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ، وَفِي مَعْنَى إلْقَائِهِ جَعْلُهُ فِي قِرَابِهِ تَحْتَ رِكَابِهِ إلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ ذَلِكَ (فَإِنْ عَجَزَ) عَمَّا ذُكِرَ شَرْعًا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدَّ (أَمْسَكَهُ) لِلْحَاجَةِ (وَلَا قَضَاءَ) لِلصَّلَاةِ حِينَئِذٍ (فِي الْأَظْهَرِ) الْمَجْزُومِ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابَيْ التَّيَمُّمِ وَشُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ تَلَطُّخَ السِّلَاحِ بِالدَّمِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ الْمُقَاتِلِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحَاضَةَ. وَالثَّانِي: يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَالْفَتْوَى عَلَيْهِ ا هـ. وَلَوْ تَنَجَّسَ سِلَاحُهُ بِغَيْرِ الدَّمِ بِنَجَاسَةٍ لَا يُعْفَى عَنْهَا أَمْسَكَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ) بِهِمَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا (وَ) جَعَلَ (السُّجُودَ أَخْفَضَ) مِنْ الرُّكُوعِ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَاشِي وَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَلَوْ فِي التَّحَرُّمِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ ذَلِكَ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِلْهَلَاكِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَاشِي الْمُتَنَفِّلِ فِي السَّفَرِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ آكَدُ بِدَلِيلِ النَّفْلِ.
تَنْبِيهٌ: هَذَانِ اللَّفْظَانِ مَنْصُوبَانِ بِتَقْدِيرِ " جَعَلَ " كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُحَرَّرُ (وَلَهُ ذَا النَّوْعِ) أَيْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ حَضَرًا وَسَفَرًا (فِي كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ) أَيْ لَا إثْمَ فِيهِمَا كَقِتَالٍ عَادِلٍ وَدَافِعٍ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ حَرَمِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ حَرَمِهِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ فِيهِ ضَرَرٌ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا النَّوْعُ بِالْقِتَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ وَمِنْ قَوْلِهِ (وَ) لَهُ ذَلِكَ فِي.
المتن وَهَرَبَ مِنْ حَرِيقٍ وَسَيْلٍ وَسَبُعٍ وَغَرِيمٍ عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَخَوْفِ حَبْسِهِ، وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ
الشرحُ (هَرَبَ مِنْ) نَحْوِ (حَرِيقٍ وَسَيْلٍ وَسَبُعٍ) وَحَيَّةٍ لَا يَجِدُ مَعْدِلًا عَنْهُ بِتَحْصِينٍ بِشَيْءٍ لِوُجُودِ الْخَوْفِ (وَ) فِي هَرَبَ مِنْ (غَرِيمٍ) وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ (عِنْدَ الْإِعْسَارِ) أَيْ إعْسَارِهِ (وَخَوْفِ حَبْسِهِ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْحَبْسِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ وَلَا يُصَدِّقُهُ الْمُسْتَحِقُّ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْمَعُهَا إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ، فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَفِي هَرَبَ مِنْ مُقْتَصٍّ يَرْجُو بِسُكُونِ غَضَبِهِ بِالْهَرَبِ عَفْوَهُ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْعَاصِي بِالْقِتَالِ كَالْبُغَاةِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَالْعَاصِي بِفِرَارِهِ كَهَزِيمَةِ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرِينَ فِي الصَّفِّ، فَلَا يُصَلُّونَ هَذِهِ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَلَا يُصَلِّيهَا طَالِبٌ لِعَدُوٍّ مُنْهَزِمٍ مِنْهُ خَافَ فَوْتَ الْعَدُوِّ لَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ بَلْ هُوَ مُحَصِّلٌ، وَالرُّخَصُ لَا تُجَاوِزُ مَحَلَّهَا إلَّا إنْ خَشِيَ كَرَّتَهُمْ عَلَيْهِ أَوْ كَمِينًا أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّهُ خَائِفٌ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خَطَفَ شَخْصٌ عِمَامَتَهُ أَوْ مَدَاسَهُ مَثَلًا وَهَرَبَ بِهِ وَأَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهُ أَنَّ لَهُ هَذِهِ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ خَافَ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ عِنْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَمَا تَجُوزُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَذَلِكَ تَجُوزُ أَيْضًا صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ، فَيُصَلِّي بِطَائِفَةٍ وَيَسْتَعْمِلُ طَائِفَةً بِرَدِّ السَّيْلِ وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ وَدَفْعِ السَّبُعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ) بِفَوَاتِ وُقُوفِ عَرَفَةَ لَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ، بَلْ يَرُومُ تَحْصِيلُ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ، فَأَشْبَهَ خَوْفَ فَوَاتِ الْعَدُوِّ عِنْدَ انْهِزَامِهِمْ كَمَا مَرَّ. وَالثَّانِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ لَا يَنْقُصُ عَنْ ضَرَرِ الْحَبْسِ أَيَّامًا فِي حَقِّ الْمَدْيُونِ الْمُعْسِرِ، وَصَحَّحَ هَذَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيَحْصُلُ الْوُقُوفُ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ صَعْبٌ وَقَضَاءَ الصَّلَاةِ هَيِّنٌ، فَقَدْ جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ لِأُمُورٍ لَا تُقَارِبُ الْمَشَقَّةُ فِيهَا هَذِهِ الْمَشَقَّةَ كَالتَّأْخِيرِ لِلْجَمْعِ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَحَقَّقَ فَوَاتُ كُلِّ الصَّلَاةِ، فَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ مَضَى أَدْرَكَ الْحَجَّ وَأَدْرَكَ رَكْعَةً رَكْعَةً مِنْ الْوَقْتِ وَجَبَ الْمُضِيُّ قَطْعًا كَمَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَحْرَمَ مَاشِيًا كَهَارِبٍ مِنْ حَرِيقٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْجِيلِيُّ. فَرْعٌ: يُصَلِّي عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ الْأَضْحَى وَكُسُوفَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ صَلَاتَهَا لِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتَهَا وَيَخْطُبُ لَهَا إنْ أَمْكَنَ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا تُشْرَعُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا كَسُنَّةِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّرَاوِيحِ، وَأَنَّهَا لَا تُشْرَعُ فِي الْفَائِتَةِ بِعُذْرٍ إلَّا إذَا خِيفَ فَوْتُهَا بِالْمَوْتِ.
المتن وَلَوْ صَلَّوْا لِسَوَادٍ، ظَنُّوهُ عَدُوًّا فَبَانَ غَيْرُهُ قَضَوْا فِي الْأَظْهَرِ.
الشرحُ (وَلَوْ صَلَّوْا) صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ (لِسَوَادٍ) كَإِبِلٍ وَشَجَرٍ (ظَنُّوهُ عَدُوًّا) لَهُمْ أَوْ كَثِيرًا، بِأَنْ ظَنُّوا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ضِعْفِنَا (فَبَانَ) الْحَالُ (غَيْرُهُ) بِخِلَافِهِ أَوْ بَانَ كَمَا ظَنُّوا، وَلَكِنْ بَانَ دُونَهُ حَائِلٌ كَخَنْدَقٍ، أَوْ شَكُّوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ صَلَّوْهَا (قَضَوْا فِي الْأَظْهَرِ) لِتَفْرِيطِهِمْ بِخَطَئِهِمْ أَوْ شَكِّهِمْ كَمَا لَوْ أَخْطَئُوا أَوْ شَكُّوا فِي الطَّهَارَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ الْخَوْفِ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقْضُونَ بِمَا مَرَّ لَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ عُسْفَانَ أَوْ ذَاتِ الرِّقَاعِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَا الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ صَلَاتَيْ بَطْنِ نَخْلٍ وَذَاتِ الرِّقَاعِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا فِي الْأَمْنِ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ صَلَاتِهِمْ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ مَا رَأَوْهُ عَدُوًّا كَمَا ظَنُّوا، وَلَا حَائِلَ وَلَا حِصْنَ، وَلَكِنْ نِيَّتُهُمْ الصُّلْحُ وَنَحْوُهُ كَالتِّجَارَةِ فَلَا قَضَاءَ، إذْ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْخَطَإِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي تَأَمُّلِهِ، وَلَوْ ظَنَّ الْعَدُوَّ يَقْصِدُهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَلَا قَضَاءَ قَطْعًا كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ، وَلَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا عَلَى الْأَرْضِ فَحَدَثَ خَوْفٌ مُلْجِئٌ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ وَبَنَى، فَإِنْ لَمْ يُلْجِئْهُ بَلْ رَكِبَ احْتِيَاطًا أَعَادَ وُجُوبًا، فَإِنْ أَمِنَ الْمُصَلِّي وَهُوَ رَاكِبٌ نَزَلَ حَالًا وُجُوبًا وَبَنَى إنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ فِي نُزُولٍ الْقِبْلَةَ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ، وَكُرِهَ انْحِرَافُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي نُزُولِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ أَخَّرَ النُّزُولَ بَعْدَ الْأَمْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ.
المتن يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ.
الشرحُ (فَصْلٌ) فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ (يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ) فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ (اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ) وَهُوَ مَا يُحَلُّ عَنْ الدُّودَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَالْقَزُّ وَهُوَ مَا قَطَعَتْهُ الدُّودَةُ وَخَرَجَتْ مِنْهُ حَيَّةً وَهُوَ كَمَدِّ اللَّوْنِ (بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ) مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا مَا يَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ كَلُبْسِهِ وَالتَّدَثُّرِ بِهِ وَاتِّخَاذِهِ سِتْرًا. أَمَّا لُبْسُهُ لِلرَّجُلِ فَمُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلِلْخُنْثَى احْتِيَاطًا. وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَلِقَوْلِ حُذَيْفَةَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ)، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخَذَ فِي يَمِينِهِ قِطْعَةَ حَرِيرٍ وَفِي شِمَالِهِ قِطْعَةَ ذَهَبٍ، وَقَالَ هَذَانِ - أَيْ اسْتِعْمَالُهُمَا - حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ) وَعَلَّلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْحُرْمَةَ عَلَى الرَّجُلِ بِأَنَّ فِي الْحَرِيرِ خُنُوثَةً لَا تَلِيقُ بِشَهَامَةِ الرَّجُلِ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ.
المتن وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا، وَ
الشرحُ (وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ) وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَلَيْهِ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا) لِلسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، بِخِلَافِ اللُّبْسِ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُهَا وَيَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهَا وَوَطْئِهَا فَيُؤَدِّي إلَى مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَهُوَ كَثْرَةُ التَّنَاسُلِ. وَالثَّانِي يَحِلُّ كَلُبْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ (حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ) وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ (وَ) الْأَصَحُّ.
المتن أَنَّ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسَهُ الصَّبِيَّ. قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ افْتِرَاشِهَا، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ أَوْ فُجَاءَةِ حَرْبٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ.
الشرحُ (أَنَّ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسَهُ) أَيْ الْحَرِيرِ (الصَّبِيَّ) وَلَوْ مُمَيِّزًا، إذْ لَيْسَ لَهُ شَهَامَةٌ تُنَافِي خُنُوثَةَ الْحَرِيرِ وَلِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، وَلِلْوَلِيِّ تَزْيِينُهُ بِالْحُلِيِّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ يَوْمِ عِيدٍ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ فِي غَيْرِ يَوْمَيْ الْعِيدِ بَلْ يَمْنَعُهُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ. وَالثَّالِثُ: لَهُ إلْبَاسُهُ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ دُونَ مَا بَعْدَهَا لِئَلَّا يَعْتَادَهُ، وَتَعْبِيرُهُمْ بِالصَّبِيِّ يُخْرِجُ الْمَجْنُونَ، وَتَعْلِيلُهُمْ يُدْخِلُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَقَدْ أَلْحَقَهُ بِالصَّبِيِّ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ. (قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ افْتِرَاشِهَا) إيَّاهُ (وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ إبَاحَةِ اللُّبْسِ لِلتَّزْيِينِ لِلزَّوْجِ أَيْ وَالسَّيِّدِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَصَّ بِالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهَا دُونَ الْخَلِيَّةِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ. وَاعْتَرَضَ الْقَطْعُ بِالْحِلِّ بِأَنَّ الشَّيْخَ نَصْرًا الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرَهُ قَطَعَ بِالتَّحْرِيمِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي، وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِجَمْعٍ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الرَّجُلِ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ فِي الْحَرِيرِ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ. قَالَ وَلَا يَغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَرَاهُ وَلَا يُنْكِرُهُ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ: الْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لِلْمَرْأَةِ كَالتَّطْرِيزِ وَنَحْوِهِ، وَبِهِ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْفَخْرِ بْنِ عَسَاكِرَ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ قُضَاةُ الْأَمْصَارِ فِي الْأَعْصَارِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِيَاطَةَ لَا اسْتِعْمَالَ فِيهَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ كِتَابَةِ الرَّجُلِ فِيهِ لِلْمُرَاسَلَاتِ وَنَحْوِهَا. وَسُئِلَ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنُ رَزِينٍ عَمَّنْ يُفَصِّلُ الْكُلُونَاتِ وَالْأَقْبَاعَ الْحَرِيرَ وَيَشْتَرِي الْقُمَاشَ الْحَرِيرَ مُفَصَّلًا وَيَبِيعُهُ لِلرِّجَالِ، فَقَالَ: يَأْثَمُ بِتَفْصِيلِهِ لَهُمْ وَبِخِيَاطَتِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ كَمَا يَأْثَمُ بِصَوْغِ الذَّهَبِ لِلُبْسِهِمْ. قَالَ: وَكَذَا خُلَعُ الْحَرِيرِ يَحْرُمُ بَيْعُهَا وَالتِّجَارَةُ فِيهَا. وَأَمَّا اتِّخَاذُ أَثْوَابِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ بِلَا لُبْسٍ، فَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ لَكِنَّ إثْمَهُ دُونَ إثْمِ اللُّبْسِ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُرْمَةِ الْحَرِيرِ عَلَى الرَّجُلِ مَا تَضْمَنَّهُ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ) وَالْخُنْثَى (لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ) أَوْ مُضِرَّيْنِ كَالْخَوْفِ عَلَى عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إزَالَةً لِلضَّرَرِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ جَوَازِ اللُّبْسِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ (أَوْ فُجَاءَةِ حَرْبٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ بَغْتَتِهَا (وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) يَقُومُ مَقَامَهُ لِلضَّرُورَةِ وَجَوَّزَ ابْنُ كَجٍّ اتِّخَاذَ الْقَبَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُ الْحَرِيرِ مِمَّا يَدْفَعُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْهَيْبَةِ وَانْكِسَارِ قُلُوبِ الْكُفَّارِ كَتَحْلِيَةِ السَّيْفِ وَنَحْوِهِ، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَصَحَّحَهُ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ.
المتن وَلِلْحَاجَةِ كَجَرَبٍ وَحَكَّةٍ وَدَفْعِ قَمْلٍ، وَلِلْقِتَالِ كَدِيبَاجٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَيَحْرُمُ الْمُرَكَّبُ مِنْ إبْرَيْسَمَ وَغَيْرِهِ إنْ زَادَ وَزْنُ الْإِبْرَيْسَمِ، وَيَحِلُّ عَكْسُهُ، وَكَذَا إنْ اسْتَوَيَا فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (وَ) يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا (لِلْحَاجَةِ كَجَرَبٍ وَحِكَّةٍ) إنْ آذَاهُ لَيْسَ غَيْرَهُ كَمَا شَرَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي لُبْسِهِ لِلْحِكَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَالْحِكَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - الْجَرَبُ الْيَابِسُ، وَهُوَ الْحَصْفُ، وَلِذَلِكَ غَايَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا، وَالْجَوْهَرِيُّ جَعَلَ الْحِكَّةَ وَالْجَرَبَ وَاحِدًا، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَتَهْذِيبِ اللُّغَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ مِنْ شَرْطِ جَوَازِهِ لِذَلِكَ أَنْ لَا يَجِدَ مَا يُغْنِي عَنْهُ مِنْ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ التَّسْوِيَةِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْحَرِيرِ أُبِيحَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَانَ أَخَفَّ مِنْ النَّجَاسَةِ (وَ) لِلْحَاجَةِ فِي (دَفْعِ قَمْلٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْمَلْ بِالْخَاصَّةِ، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا شَكَيَا الْقَمْلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَطْلَقَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إذْ الْمَعْنَى يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَضَرِ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ التَّعَهُّدَ وَالتَّفَقُّدَ فِيهِ سَهْلٌ.
تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْحَاجَةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ عُيُونِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْحَرِيرِ، وَكَذَا السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ إنْ أَوْجَبْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَظَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى النَّاسِ. وَالْقَمْلُ جَمْعُ قَمْلَةٍ، وَهُوَ الْقَمْلُ الْمُرْسَلُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي قَوْلِ عَطَاءٍ، وَقِيلَ الْبَرَاغِيثُ قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ، وَقِيلَ السُّوسُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَ) لِلْحَاجَةِ (لِلْقِتَالِ كَدِيبَاجٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّدْبِيجِ وَهُوَ النَّقْشُ وَالتَّزْيِينُ أَصْلُهُ دِيبَاهٌ بِالْهَاءِ وَجَمْعُهُ دَيَابِيجُ وَدَيَابِجُ (لَا يَقُومُ غَيْرُهُ) فِي دَفْعِ السِّلَاحِ (مَقَامَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ ثُلَاثِيٍّ تَقُولُ: قَامَ هَذَا مَقَامَ ذَاكَ بِالْفَتْحِ، وَأَقَمْته مُقَامَهُ بِالضَّمِّ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الضَّرُورَةِ. أَمَّا إذَا وُجِدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا " أَوْ فَجْأَةِ حَرْبٍ " فَإِنَّهُ إذَا جَازَ لِمُجَرَّدِ الْمُحَارَبَةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ لِلْقِتَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَيَحْرُمُ) عَلَى الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى (الْمُرَكَّبُ مِنْ إبْرَيْسَمَ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: الْحَرِيرُ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَغَيْرِهِ) كَغَزْلٍ وَقُطْنٍ (إنْ زَادَ وَزْنُ الْإِبْرَيْسَمِ) عَلَى غَيْرِهِ (وَيَحِلُّ عَكْسُهُ) هُوَ مُرَكَّبٌ نَقَصَ فِيهِ الْإِبْرَيْسَمُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْخَزِّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأَكْثَرِ فِيهِمَا (وَكَذَا) يَحِلُّ (إنْ اسْتَوَيَا) وَزْنًا فِيمَا رُكِّبَ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثَوْبَ حَرِيرٍ وَالْأَصْلُ الْحِلُّ، وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ). فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْمُصْمَتُ الْخَالِصُ، وَالْعَلَمُ الطِّرَازُ وَنَحْوُهُ وَلَا أَثَرَ لِلظُّهُورِ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي قَوْلِهِ: إنْ ظَهَرَ الْحَرِيرُ فِي الْمُرَكَّبِ حَرُمَ وَإِنْ قَلَّ وَزْنُهُ، وَإِنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَثُرَ وَزْنُهُ، وَيَنْبَغِي عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ الْكَرَاهَةُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ الْأَكْثَرُ الْحَرِيرُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ حَرُمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ.
المتن وَيَحِلُّ مَا طُرِّزَ أَوْ طُرِّفَ بِحَرِيرٍ قَدْرَ الْعَادَةِ.
الشرحُ (وَيَحِلُّ) لِمَنْ ذُكِرَ (مَا) أَيْ ثَوْبٌ (طُرِّزَ) أَوْ رُقِّعَ بِحَرِيرٍ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ، دُونَ مَا يُجَاوِزُهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ) وَلَوْ كَثُرَتْ مَحَالُّهَا بِحَيْثُ يَزِيدُ الْحَرِيرُ عَلَى غَيْرِهِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى طِرَازَيْنِ كُلُّ طِرَازٍ عَلَى كَمْ، وَأَنَّ كُلَّ طِرَازٍ لَا يَزِيدُ عَلَى أُصْبُعَيْنِ لِيَكُونَ مَجْمُوعُهُمَا أَرْبَعَ أَصَابِعَ، وَالتَّطْرِيزُ أَنْ يُرَكَّبَ عَلَى الثَّوْبِ طِرَازٌ كُلُّهُ مِنْ حَرِيرٍ، أَمَّا الْمُطَرَّزُ بِالْإِبْرَةِ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ كَالْمَنْسُوجِ حَتَّى يَكُونَ مَعَ الثَّوْبِ كَالْمُرَكَّبِ مِنْ حَرِيرِهِ وَغَيْرِهِ لَا كَالطِّرَازِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مِثْلُهُ، وَيَحِلُّ حَشْوُ جُبَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا بِهِ كَالْمِخَدَّةِ لِأَنَّ الْحَشْوَ لَيْسَ ثَوْبًا مَنْسُوجًا وَلَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ لَابِسَ حَرِيرٍ، وَبِهَذَا فَارَقَ تَحْرِيمَ الْبِطَانَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ بِطَانَةَ الْجُبَّةِ أَوْ نَحْوِهَا حَرِيرًا (أَوْ) يَحِلُّ مَا (طُرِّفَ بِحَرِيرٍ قَدْرَ الْعَادَةِ) بِأَنْ يَجْعَلَ طَرَفَ ثَوْبِهِ مُسْجَفًا بِالْحَرِيرِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ جُبَّةٌ يَلْبَسُهَا لَهَا لِبْنَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ وَفَرْجَاهَا مَكْفُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ) وَاللِّبْنَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ رُقْعَةٌ فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ أَيْ طَوْقِهِ، وَالْمَكْفُوفُ الَّذِي جُعِلَ لَهُ كُفَّةٌ بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ سِجَافٌ. أَمَّا مَا جَاوَزَ الْعَادَةَ فَيَحْرُمُ، وَفُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اعْتِبَارِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ التَّطْرِيفَ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ زِينَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِالْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُطَرَّزِ وَالْمُطَرَّفِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَالتَّطْرِيفِ طَرَفَا الْعِمَامَةِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ شِبْرٍ، وَفَرْقُ بَيْنِ كُلِّ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مِقْدَارَ قَلَمٍ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ فِيهِ ا هـ. فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ عَلَى خِلَافِهِ اُعْتُبِرَتْ إذْ الْعَادَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِحَرِيرٍ عَنْ التَّطْرِيزِ أَوْ التَّطْرِيفِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَإِنْ قَلَّ؛ لِكَثْرَةِ الْخُيَلَاءِ فِيهِ، وَإِنْ جَعَلَ بَيْنَ الْبِطَانَةِ وَالظِّهَارَةِ ثَوْبًا حَرِيرًا جَازَ لُبْسُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ نَظَرٌ، وَتَحِلُّ خِيَاطَةُ الثَّوْبِ بِهِ وَيَحِلُّ لُبْسُهُ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ تَفْصِيلُ الْمُضَبَّبِ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ أَهْوَنُ مِنْ الْأَوَانِي. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَحِلُّ مِنْهُ خَيْطُ السُّبْحَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُقَاسَ بِهِ لِيقَةُ الدَّوَاةِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ: وَيَجُوزُ مِنْهُ كِيسُ الْمُصْحَفِ لِلرَّجُلِ، وَلَوْ فَرَشَ ثَوْبَ قُطْنٍ مَثَلًا فَوْقَ ثَوْبِ دِيبَاجٍ وَجَلَسَ عَلَيْهِ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَغَطَّى فَوْقَ حَائِلٍ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى الْمُزَعْفَرُ دُونَ الْمُعَصْفَرِ كَمَا قَالَهُ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خِلَافًا لِلْبَيْهَقِيِّ فِي قَوْلِهِ: الصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَوْ بَلَغَتْ الشَّافِعِيَّ لَقَالَ بِهَا، وَمَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ الْمُعَصْفَرِ إذَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ لَا قَبْلَهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ ذُكِرَ مَصْبُوغٌ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْمُعَصْفَرِ سَوَاءٌ الْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَخْضَرُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ أَصُبِغَ قَبْلَ النَّسْجِ أَمْ بَعْدَهُ وَإِنْ خَالَفَ فِيمَا بَعْدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذْ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ، وَيَحِلُّ لُبْسُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَالِيَةَ الْأَثْمَانِ لِأَنَّ نَفَاسَتَهَا بِالصَّنْعَةِ، وَيُكْرَهُ تَزْيِينُ الْبُيُوتِ لِلرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى مَشَاهِدِ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ بِالثِّيَابِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نُلْبِسَ الْجُدْرَانَ وَاللَّبِنَ) وَيَحْرُمُ تَزْيِينُهَا بِالْحَرِيرِ وَالصُّوَرِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا، وَكَذَا يَحْرُمُ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ بِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِالْجَوَازِ، نَعَمْ يَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِهِ، وَيَنْبَغِي جَوَازُ سَتْرِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
المتن وَلُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، لَا جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفُجَاءَةِ قِتَالٍ، وَكَذَا الْمَيْتَةُ فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (وَ) يَحِلُّ (لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ) أَيْ الْمُتَنَجِّسِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ عَطْفًا عَلَى الْمُحَرَّمِ، وَكَذَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ فِي الْأَصَحِّ (فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ (وَنَحْوِهَا) كَالطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ أَوْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ إذَا لَمْ يَتَنَجَّسْ بَدَنُهُ بِوَاسِطَةِ رُطُوبَةٍ بِخِلَافِ لُبْسِهِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَيَحْرُمُ، سَوَاءٌ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَمْ لَا لِقَطْعِهِ الْفَرْضَ بِخِلَافِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِجَوَازِ قَطْعِهِ. أَمَّا إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِنَفْلٍ أَوْ فَرْضٍ مُوَسَّعٍ فَالْحُرْمَةُ عَلَى تَلَبُّسِهِ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ لَا عَلَى لُبْسِهِ، فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ مُهِمٌّ، وَحَيْثُ جَازَ لُبْسُهُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَحْرُمُ مُكْثُهُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَاتِ (لَا جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ) فَلَا يَحِلُّ لُبْسُ جِلْدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَكَذَا الْكَلْبُ إلَّا فِي اصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ أَوْلَى، وَفَرْعُهُمَا وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفَجْأَةِ قِتَالٍ) وَخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ مِنْ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ. وَيَحِلُّ أَنْ يُغَشِّيَ كُلًّا مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ جِلْدَهُ وَجِلْدَ الْآخَرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ كَلْبٌ يُقْتَنَى وَخِنْزِيرٌ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا وَتَفْصِيلًا ذَكَرُوهُ فِي السِّيَرِ، وَمَا اسْتَشْكَلَهُ فِي تَغْشِيَةِ الْخِنْزِيرِ بِامْتِنَاعِ اقْتِنَائِهِ وَالْمُغَشَّى مُقْتَنًى. أُجِيبَ عَنْهُ بِمَنْعِ كَوْنِهِ مُقْتَنًى بِذَلِكَ، وَلَوْ سَلِمَ فَيَأْثَمُ بِالِاقْتِنَاءِ لَا بِالتَّغْشِيَةِ، أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى خَنَازِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مُضْطَرٍّ تَزَوَّدَ بِهِ لِيَأْكُلَهُ كَمَا يَتَزَوَّدُ بِالْمَيْتَةِ أَمَّا تَغْشِيَةُ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِهِمَا وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ بِجِلْدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَغْشِيَتِهِ بِغَيْرِ جِلْدِهِمَا مِنْ الْجُلُودِ النَّجِسَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ (وَكَذَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ) قَبْلَ الدَّبْغِ مِنْ غَيْرِهِمَا لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَحِلُّ كَجِلْدِ نَحْوِ الْكَلْبِ، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْآدَمِيِّ اسْتِعْمَالُ نَجَاسَةٍ فِي بَدَنِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّعَبُّدِ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ لِإِقَامَةِ الْعِبَادَةِ وَلَوْ كَانَ النَّجِسُ مُشْطَ عَاجٍ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ هُنَاكَ رُطُوبَةٌ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي قَوْلِهِ يَحْرُمُ مُطْلَقًا، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ، وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا الْعَاجَ لِشِدَّةِ جَفَافِهِ مَعَ ظُهُورِ رَوْنَقِهِ وَجِلْدَ الْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُكْرَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخَشِنَةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ اخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ. وَيَحْرُمُ إطَالَةُ الْعَذَبَةِ طُولًا فَاحِشًا، وَإِنْزَالُ الثَّوْبِ نَحْوَهُ عَنْ الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا، وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الْعَذَبَةُ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، وَيَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِدُونِهِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ إرْخَاؤُهُ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَهَا إرْسَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ ذِرَاعًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الذِّرَاعِ مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ، لَا مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ، وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ لُبْسُ الْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ وَالْقُمُصِ وَنَحْوِهَا مَزْرُورَةً وَغَيْرَ مَزْرُورَةٍ إذَا لَمْ تُبْدِ عَوْرَتَهُ، وَيُسَنُّ تَقْصِيرُ الْكُمِّ لِأَنَّ كُمَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إلَى الرُّسْغِ، وَإِفْرَاطُ تَوْسِعَةِ الثِّيَابِ وَالْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ وَسَرَفٌ وَتَضْيِيعُ مَالٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ لِيُعْرَفُوا بِذَلِكَ فَيُسْأَلُوا، فَإِنِّي كُنْتُ مُحْرِمًا فَأَنْكَرْتُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُحْرِمِينَ لَا يَعْرِفُونَنِي مَا أَخَلُّوا بِهِ مِنْ أَدَبِ الطَّوَافِ فَلَمْ يَقْبَلُوا، فَلَمَّا لَبِسْتُ ثِيَابَ الْفُقَهَاءِ وَأَنْكَرْت عَلَيْهِمْ ذَلِكَ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا، فَإِذَا لَبِسَهَا لِمِثْلِ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ وَلِلِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.
المتن وَيَحِلُّ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ عَلَى الْمَشْهُورِ
الشرحُ (وَيَحِلُّ) مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ (الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ) عَيْنُهُ كَوَدَكِ مَيْتَةٍ أَوْ بِعَارِضٍ كَزَيْتٍ وَنَحْوِهِ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: (إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ، أَوْ فَانْتَفِعُوا بِهِ) رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ؛ وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَجْلِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُصِيبُ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْ السِّرَاجِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُهُ مِنْ دُخَانِ الْمِصْبَاحِ لِقِلَّتِهِ. أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْجِيسِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَإِنْ كَانَ مَيْلُ الْإِسْنَوِيِّ إلَى الْجَوَازِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا وَدَكُ نَحْوِ الْكَلْبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ الْغَزِّيُّ عَنْ الْإِمَامِ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الزَّيْتَ الْمُتَنَجِّسَ صَابُونًا أَيْضًا لِلِاسْتِعْمَالِ: أَيْ لَا لِلْبَيْعِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَجُوزُ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ، وَإِطْعَامُهَا لِلْكِلَابِ وَالطُّيُورِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ الْمُتَنَجِّسِ لِلدَّوَابِّ.
خَاتِمَةٌ: يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَشْيَهُ يُخَلُّ بِذَلِكَ، وَقِيلَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْعَدْلِ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَأَنْ يَنْتَعِلَ قَائِمًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ فِي لُبْسِ النَّعْلِ وَنَحْوِهِ وَالْيَسَارِ فِي الْخَلْعِ، وَيُبَاحُ بِلَا كَرَاهَةٍ لُبْسُ خَاتَمٍ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ، وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ فِي خِنْصَرِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَلُبْسُهُ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ وَيَجُوزُ فِي الْيَسَارِ وَفِيهِمَا مَعًا، وَجَعْلُ الْفَصِّ فِي بَاطِنِ الْكَفِّ أَفْضَلُ، وَالضَّبْطُ فِي قَدْرِهِ مَا لَا يُعَدُّ إسْرَافًا فِي الْعُرْفِ، وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ النَّشَاءِ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْقَمْحِ فِي الثَّوْبِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَتَرْكُ دَقِّ الثِّيَابِ وَصَقْلِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي طَيُّ الثِّيَابِ: أَيْ وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ (إذَا طَوَيْتُمْ ثِيَابَكُمْ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا لِئَلَّا تَلْبَسَهَا الْجِنُّ بِاللَّيْلِ وَأَنْتُمْ بِالنَّهَارِ فَتَبْلَى سَرِيعًا).
|